******
** وعد بلفور **
******
انقضوا عليه كالثعالب ،لفوا جسده بحقدهم العنكبوتي، ممزوجا بالحنق والرعب خانقين له الأنفاس ،حالوا بينه وبين إشعال السعير تحت أقدامهم… جهنم من الغضب تندلع في صدره ، تتأجج بين الأحشاء،…أدركَ أنه سقط في الفخ ،الذي لاشك سيفرخ عناصر من نفس الفصيلة..لم يقاوم ،لم يبد أية حركة ،أي عنف ،ولو العملية لم تُسفر عما كان يحلم به ،فهي على الأقل خطوة حذرإلى الأمام ، وثانيا ستفتح أبوابها على أساليب أخرى أكثر نجاعة ،..اشمأزّ من الأمر ..وبدا كأنه أخطأ ،أو لمْ يُلِّمّ بالأجواء التي تُحكِم الزمام ،أو ربما شيء أصابه الخلل ،فكان للنتائج المنتظرة وقعُها المعكوس ..صمتُه المطرد أشعل فيهم الغيض ،طفقوا ينهالون عليه ضربا و شتما ،وهو يستعرض على شاشته خيوط العملية من ألفها ليائها ،لم يهتد إلى مواطن العثر ،ولم تذبل وردة الأمل في عينيه ،مازال مُصِرّا على جبر الأعطاب ، كانت كل شتيمة تأتيه بعاصفة غضب، تضيف شحنة من التصلب ،فيطلق العنان لذهنه ،يبحر في رماد الجبروت، باحثا عن هندسة جديدة لخطة جديدة ، تلتمع بين حاجيه حكايات أخرى ،يطبق عليها أجفانه، لتنبثق مزهرة في المقبل …….رمَوْه كورقة منكمشة داخل قمامة المعتقل ،أحكموا إغلاق منافذ الأكسجين ،…جلس قرفصاء يحملق في الجدران الأربعة التي تفصله عن معشوقته ،بل معشوقتنا كلنا ،والتي يكن لها حبه الأكبر تحت الضلوع ،ونحن أيضا نكن لها حبنا الأكبر .. الجدران تتراقص أمامه في تموجات متلاحقة بين البروق والخفوت …
يظهر الجدار الأول في شكل سبورة ،على يمينها مادة الاقتصاد معنونة بوعد بلفور ..وهو مكوم الأشلاء في المقعد الرابع من الصف الثالث، يصغي باهتمام إلى مايتدفق من حنجرة الأستاذ ،من شروحات عطنة ومطنبة ،تنزل كالصاعقة على روحه الفتية :
وعد بلفور: كان له هدف امبريالي بموافقة جميع الأطراف الأمبريالية ،والصهيونية العالمية ،التي تشمل الرأسمالية اليهودية ،ممثلة في اللورد روتشيلد المليونير اليهودي لإنشاء كيان صهيوني، يكون حاجزا بين مصر والمشرق العربي، ليصبح قلعة أمامية ضد التحرر والوحدة العربية …
زفر زفرات تنشق لها السماء ،صعد صهدها من قاع معادنه إلى وجنتيه، فتحلبتْ عيناه بالدمع في امتعاض شديد ….يظهر الجدار الثاني كومضة برق، تشع ثم تختفي .. يتشح صدرها بمادة الجغرافية، تحت عنوانها الطويل العريض: وعد بلفور يغير خريطة فلسطين
طفق ينقل في كراسته ملخص الدرس :
بلفور هو الوعد الذي تعهدت الحكومة البريطانية من خلاله تغيير خريطة فلسطين، بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي هناك …
أمسك رأسه بكلتي راحتيه، ووجع العالم يقطع الأمعاء …
طامة كبرى هذه ستُنبِت مسامرها بيننا قال في صمت …
ظهر الجدار الثالث يبتسم بين سحابة غبن كثيفة، لاح على واجهته شريط له، وهو يقلب الكتب بين دفتي خزانته… يعثر على ورقة، تنفلت من كتاب القراءة لمستوى من المستويات الدراسية ،عليها وعد بلفور.. قرأ النص بإمعان حاد .. وفرائصه ترتعد
: وعد بلفورأو تصريح بلفور :هي الرسالة التي وجهها آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأكيد الحكومة البريطانية على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين…
عيون دبوسية تصعد من النص تلسع كفيه ..تتضخم الفكرة في رأسه فتصير بحجم الكرة الأرضية، .يضغط على الورقة ..يرميها جانبا .. ثم يركض إلى الخارج ليجسد الحدث ……….
يقف ..، يبسط عينيه يرفعهما ،يرنو إلى السقف ، ،يجلس، يقف ثانية .. يتلفت يمنة ،يسرة…. يبرق الجدار الرابع بين ضباب كثيف ، يحمل علما خط عليه حب فلسطين …يمسك سكينا في يد ، وحبالا في اليد الأخرى …بلفور يراقص خليلته في خدر غنائي …يتسلل من بين الحشد ،في اتجاه غنيمته ..يتوقف الرقص ..يتوقف الغناء ..تنطفئ الأضواء …وطأة جمود تسود الفضاء ..بلفور على انفراد ،يراقص خليلته ،صاحبنا يخاتل الخطو في اتجاهه .. يرهف الخطو ..يقذف عينيه الميدوزيين على الخليلة …تتحجر الخليلة ..بلفور لايتوقف عن الرقص ..يتقدم إليه بطلنا..ينفرد بندّه المبحوث عنه .. يثبت الحبل في عنقه ..يسحبه خارج القاعة للاختلاء به ، يجره عاضا شفتيه بقوة …يجرجه.. ..يركله ….يرفع السكين إلى أعلى في صراخ حاد.. :يصيح:
- هذا قربانك يا فلسطين..
ثم يغرسه في بطنه … يسقط بلفور يلعق دماءه …يُسْمع صرير الباب.. فيجد نفسه أمام عسكري صهيوني ، يحمل ورقة وقلما ليسجل المعلومات …
** وعد بلفور **
******
انقضوا عليه كالثعالب ،لفوا جسده بحقدهم العنكبوتي، ممزوجا بالحنق والرعب خانقين له الأنفاس ،حالوا بينه وبين إشعال السعير تحت أقدامهم… جهنم من الغضب تندلع في صدره ، تتأجج بين الأحشاء،…أدركَ أنه سقط في الفخ ،الذي لاشك سيفرخ عناصر من نفس الفصيلة..لم يقاوم ،لم يبد أية حركة ،أي عنف ،ولو العملية لم تُسفر عما كان يحلم به ،فهي على الأقل خطوة حذرإلى الأمام ، وثانيا ستفتح أبوابها على أساليب أخرى أكثر نجاعة ،..اشمأزّ من الأمر ..وبدا كأنه أخطأ ،أو لمْ يُلِّمّ بالأجواء التي تُحكِم الزمام ،أو ربما شيء أصابه الخلل ،فكان للنتائج المنتظرة وقعُها المعكوس ..صمتُه المطرد أشعل فيهم الغيض ،طفقوا ينهالون عليه ضربا و شتما ،وهو يستعرض على شاشته خيوط العملية من ألفها ليائها ،لم يهتد إلى مواطن العثر ،ولم تذبل وردة الأمل في عينيه ،مازال مُصِرّا على جبر الأعطاب ، كانت كل شتيمة تأتيه بعاصفة غضب، تضيف شحنة من التصلب ،فيطلق العنان لذهنه ،يبحر في رماد الجبروت، باحثا عن هندسة جديدة لخطة جديدة ، تلتمع بين حاجيه حكايات أخرى ،يطبق عليها أجفانه، لتنبثق مزهرة في المقبل …….رمَوْه كورقة منكمشة داخل قمامة المعتقل ،أحكموا إغلاق منافذ الأكسجين ،…جلس قرفصاء يحملق في الجدران الأربعة التي تفصله عن معشوقته ،بل معشوقتنا كلنا ،والتي يكن لها حبه الأكبر تحت الضلوع ،ونحن أيضا نكن لها حبنا الأكبر .. الجدران تتراقص أمامه في تموجات متلاحقة بين البروق والخفوت …
يظهر الجدار الأول في شكل سبورة ،على يمينها مادة الاقتصاد معنونة بوعد بلفور ..وهو مكوم الأشلاء في المقعد الرابع من الصف الثالث، يصغي باهتمام إلى مايتدفق من حنجرة الأستاذ ،من شروحات عطنة ومطنبة ،تنزل كالصاعقة على روحه الفتية :
وعد بلفور: كان له هدف امبريالي بموافقة جميع الأطراف الأمبريالية ،والصهيونية العالمية ،التي تشمل الرأسمالية اليهودية ،ممثلة في اللورد روتشيلد المليونير اليهودي لإنشاء كيان صهيوني، يكون حاجزا بين مصر والمشرق العربي، ليصبح قلعة أمامية ضد التحرر والوحدة العربية …
زفر زفرات تنشق لها السماء ،صعد صهدها من قاع معادنه إلى وجنتيه، فتحلبتْ عيناه بالدمع في امتعاض شديد ….يظهر الجدار الثاني كومضة برق، تشع ثم تختفي .. يتشح صدرها بمادة الجغرافية، تحت عنوانها الطويل العريض: وعد بلفور يغير خريطة فلسطين
طفق ينقل في كراسته ملخص الدرس :
بلفور هو الوعد الذي تعهدت الحكومة البريطانية من خلاله تغيير خريطة فلسطين، بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي هناك …
أمسك رأسه بكلتي راحتيه، ووجع العالم يقطع الأمعاء …
طامة كبرى هذه ستُنبِت مسامرها بيننا قال في صمت …
ظهر الجدار الثالث يبتسم بين سحابة غبن كثيفة، لاح على واجهته شريط له، وهو يقلب الكتب بين دفتي خزانته… يعثر على ورقة، تنفلت من كتاب القراءة لمستوى من المستويات الدراسية ،عليها وعد بلفور.. قرأ النص بإمعان حاد .. وفرائصه ترتعد
: وعد بلفورأو تصريح بلفور :هي الرسالة التي وجهها آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأكيد الحكومة البريطانية على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين…
عيون دبوسية تصعد من النص تلسع كفيه ..تتضخم الفكرة في رأسه فتصير بحجم الكرة الأرضية، .يضغط على الورقة ..يرميها جانبا .. ثم يركض إلى الخارج ليجسد الحدث ……….
يقف ..، يبسط عينيه يرفعهما ،يرنو إلى السقف ، ،يجلس، يقف ثانية .. يتلفت يمنة ،يسرة…. يبرق الجدار الرابع بين ضباب كثيف ، يحمل علما خط عليه حب فلسطين …يمسك سكينا في يد ، وحبالا في اليد الأخرى …بلفور يراقص خليلته في خدر غنائي …يتسلل من بين الحشد ،في اتجاه غنيمته ..يتوقف الرقص ..يتوقف الغناء ..تنطفئ الأضواء …وطأة جمود تسود الفضاء ..بلفور على انفراد ،يراقص خليلته ،صاحبنا يخاتل الخطو في اتجاهه .. يرهف الخطو ..يقذف عينيه الميدوزيين على الخليلة …تتحجر الخليلة ..بلفور لايتوقف عن الرقص ..يتقدم إليه بطلنا..ينفرد بندّه المبحوث عنه .. يثبت الحبل في عنقه ..يسحبه خارج القاعة للاختلاء به ، يجره عاضا شفتيه بقوة …يجرجه.. ..يركله ….يرفع السكين إلى أعلى في صراخ حاد.. :يصيح:
- هذا قربانك يا فلسطين..
ثم يغرسه في بطنه … يسقط بلفور يلعق دماءه …يُسْمع صرير الباب.. فيجد نفسه أمام عسكري صهيوني ، يحمل ورقة وقلما ليسجل المعلومات …
