ايوس الامير

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عاجل: اضراب شامل لكل المدرس يوم الاربعاء و الخميس


    بائع الملوك

    avatar
    ام احمد


    المساهمات : 842
    تاريخ التسجيل : 06/05/2011

    بائع الملوك Empty بائع الملوك

    مُساهمة  ام احمد الثلاثاء يونيو 28, 2011 3:14 am

    كان "العز بن عبد السلام" واحدًا من أشهر الشخصيات التي عرفها الناس في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) كان إمامًا فقيهًا وعالمًا متبحرًا في علوم الشريعة من فقه وحديث، ومؤلفًا عظيمًا له كتب قيمة .. لكن ذلك لم يكن وحده هو السبب في أن يلتف الناس حوله وأن يمنحوه حبهم وإعجابهم وتقديرهم .
    إنما أحبه الناس لأنه عاش من أجلهم يعلمهم أمور دينهم .. يحارب البدع والخرافات .. ينصح الحكام، ويخوض ميادين الجهاد، ويواجه الظلم والطغيان .

    • طفولة ونبوغ :

    ولد "عبد العزيز بن عبد السلام" ، المعروف بالعز في مدينة "دمشق" سنة (577 ه =1181م) وبها نشأ وتعلم، وكانت آنذاك تمتلأ بحلقات العلم في المساجد والمدارس، وقد تأخر "العز" عن زملائه في طلب العلم، لكنه نجح في تعويض ما فاته بالانتظام في حلقات الدرس، والمواظبة على المذاكرة بحب شديد وهمة عالية، وساعده ذكاؤه وفهمه العميق على إتقان الفقه والتفسير وعلوم القرآن والحديث، والتبحر في تحصيل اللغة والأدب والنحو والبلاغة. وبعد أن انتهى من دراسته اتجه إلى التدريس في بيته وفى مساجد دمشق ومدارسها التي كانت الدولة تنفق عليها وتجعلها تحت إشرافها .. واستطاع المدرس الشاب أن يجعل الطلاب يلتفون حوله بسبب غزارة علمه وإتقانه لدروسه، وبراعته في الشرح بالإضافة إلى حبه للدعابة وذكره للنوادر والفكاهات التي يلطف بها درسه، وتزيل الملل من نفوس طلابه .. وبهذه الطريقة أقبل عليه الطلاب وامتلأت حلقاته بهم .

    • خطيب الجامع الأموي بدمشق :

    كان "العز عبد السلام" خطيبًا بارعًا، يؤثر في مستمعيه بصدق عاطفته وغزارة علمه، وسلاسة أسلوبه، ووضوح أفكاره، وهذه المؤهلات جعلته جديرًا بأن يكون خطيب الجامع الأموي في دمشق وكانت خطبه في الجامع مدرسة يتلقى الناس فيها أمور دينهم، ويستمعون منه القضايا التي تهمهم، ويحل لهم المشكلات التي تعترض حياتهم.
    وعرف عن الشيخ "العز بن عبد السلام" أنه كان لا يسكت عن خطأ أو تهاون في حق الأمة والوطن ..

    • مؤلفات الشيخ ومكانته العلمية :

    كان الشيخ "العز بن عبد السلام" متعدد المواهب في الإفتاء والخطابة والقضاء والتدريس، وله مؤلفات كثيرة في التفسير والحديث والفقه والأصول والسيرة النبوية، ومن أشهر كتبه :"قواعدالأحكام في مصالح الأنام"، و"الغاية في اختصار النهاية" في الفقه الشافعي، و"مختصر صحيح مسلم"، و"بداية السول في تفضيل الرسول"، و"تفسير القرآن العظيم" .

    • شخصية الشيخ "العز" :

    كان الشيخ "العز" عالمًا حقيقيًّا يدرك أن دور العلماء لا يقتصر على إلقاء الدروس والخطابة وتعليم الطلاب، فاشترك في الحياة العامة مصلحًا يأخذ بيد الناس إلى الصواب، ويصحح الخطأ لهم ولو كان صادرًا من أمير أو سلطان، ولما كانت نفسه قوية امتلأت بحب الله ولم يعد فيها مكان للخوف من ذوى الجاه والسلطان، فهو لا يخاف إلا الله، ومن خاف الله هابه الناس واحترموه.
    عاش الشيخ من أجل الناس وإصلاح حياتهم ودنياهم ، فعاش في قلوبهم ووجدانهم .. أحب الناس فأحبه الناس .

    • وفاته :

    وقد امتدت الحياة بالشيخ الجليل فبلغ الثالثة والثمانين قضاها في خدمة الإسلام، والجهاد باللسان والقلم، وحمل السلاح ضد الفرنج ، حتى لقي ربه في (10 من جمادى الأولى 660 ه = 2 من مارس 1261م)
    avatar
    ام احمد


    المساهمات : 842
    تاريخ التسجيل : 06/05/2011

    بائع الملوك Empty رد: بائع الملوك

    مُساهمة  ام احمد الثلاثاء يونيو 28, 2011 3:14 am

    1. ومن هذه المواقف العجيبة:
    .موقفه مع الملك الصالح إسماعيل:
    عندما كان العز.بن.عبد.السلام في دمشق كان الحاكم رجلاً يقال له: "الملك الصالح إسماعيل" من بني أيوب، فولّى العز.بن.عبد.السلام خطابة الجامع الأموي، وبعد فترة قام الملك الصالح إسماعيل هذا بالتحالف مع النصارى الصليبيين، أعداء الله ورسله، فحالفهم وسلّم لهم بعض الحصون، كقلعة الشَّقِيف( )، وصَفَد( )، وبعض الحصون، وبعض المدن وذلك من أجل أن يستعين بهم على قتال الملك الصالح أيوب في مصر.

    فلما رأى العز.بن.عبد.السلام هذا الموقف الخائن الموالي لأعداء الله ورسله - عليهم السلام- ، لم يصبر فصعد على المنبر، وتكلّم وأنكر على الصالح إسماعيل تحالفه مع الصليبيين، وقالها له صريحة، وقطع الدعاء له في الخطبة، بعدما كان اعتاد أن يدعو له( )، وختم الخطبة بقوله: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا تُعِزُّ فيه وليَّك، وتُذِلُّ فيه عدوَّك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر"( ). ثم نزل.
    وعرف الأمير الملك الصالح إسماعيل أنه يريده، فغضب عليه غضبًا شديدًا، وأمر بإبعاده عن الخطابة، وسجنه، وبعدما حصل الهرج والمرج، واضطرب أمر الناس، أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك( ).
    وخرج العز.بن.عبد.السلام من دمشق مغضبًا إلى جهة بيت المقدس، وصادف أن خرج الملك الصالح إسماعيل إلى تلك الجهة أيضًا والتقى أمراء النصارى قريبًا من بيت المقدس، فأرسل رجلاً من بطانته وقال له: اذهب إلى العز.بن.عبد.السلام، ولاطِفْهُ ولايِنْهُ بالكلام الحسن، واطلب منه أن يأتي إليّ، ويعتذر مني، ويعود إلى ما كان عليه، فذهب الرجل إلى العز.بن.عبد.السلام وقال له: ليس بينك وبين أن تعود إلى منصبك وأعمالك وزيادة على ما كنت عليه، إلا أن تأتي وتُقَبِّل يد السلطان لا غير، فضحـك العز.بن.عبد.السلام ضحكة السـاخر وقال: "يا مسكين، والله ما أرضى أن يُقَبِّلَ الملك الصالح إسماعيل يدي فضلاً عن أن أُقَبِّلَ يده، يا قومُ أنا في واد، وأنتم في واد آخر، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به".
    قال: إذًا نسجنك، فقال: "افعلوا ما بدا لكم". فأخذوه وسجنوه في خيمة، فكان يقرأ فيها القرآن ويَتَعَبَّد ويذكر الله تعالى.

    وفي إحدى المرات كان الملك الصالح إسماعيل قد عقد اجتماعاً مع بعض زعماء النصارى الصليبيين، كان اجتماعهم قريباً من العز.بن.عبد.السلام بحيث يسمعون قراءته للقرآن، فقال: هل تسمعون هذا الذي يقرأ؟ قالوا: نعم. فقال متفاخرًا: هذا هو أكبر قساوسة المسلمين سَجَنَّاه؛ لأنه اعترض علينا في محالفتنا لكم، وتسليمنا لكم بعض الحصون والقلاع، واتفاقنا معكم على قتال المصريين.
    فقال له ملوك النصارى: والله لو كان هذا القسيس عندنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقته( )!
    لو كان عندنا رجل بهذا الإخلاص للأمة وبهذه القوة، وبهذه الشجاعة لكُنَّا نغسل رجليه، ولشَرِبْنا الماء الذي غسلنا به رجليه، فأصيب الملك إسماعيل بالخيبة والذلِّ، وكانت هذه بداية هزيمته وفشله، وجاءت جنود المصريين، وانتصرت عليه وعلى من كانوا متحالفين معه من الصليبيين، وأفرجت عن الإمام العز.بن.عبد.السلام.

    هذا موقف صرّح فيه العز.بن.عبد.السلام - رحمه الله - بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على رؤوس المنابر، ورأى أن هذا الذي يسعه، مع أنه كان يستطيع غير ذلك، ولكنه رأى أن هذا هو الأسلوب المناسب، خاصة أن الصليبيين في تلك الوقعة دخلوا شوارع دمشق ومدنها، وتجوَّلوا في أسواقها ودكاكينها، وكانوا يشترون الأسلحة من المسلمين؛ ولذلك وُجِّه إليه الاستفتاء: هل يجوز أن نبيع السلاح للنصارى؟
    فأفتى - رحمه الله - بأن بيع السلاح إليهم لا يجوز؛ لأن من يبيعهم السلاح يعلم أنهم سوف يصوِّبون هذه الأسلحة إلى صدور المسلمين.


    .موقفه مع الصالح أيوب:
    خرج العز.بن.عبد.السلام بعد ذلك إلى مصر، واستقبله نجم الدين أيوب، وأحسن استقباله، وجعله في مناصب ومسؤوليات كبيرة في الدولة.
    وكان المتوقع أن يقول العز.بن.عبد.السلام: هذه مناصب توليتها، ومن المصلحة أن أحافظ عليها حفاظًا على مصالح المسلمين، وألاَّ أعكِّر ما بيني وبين هذا الحاكم، خاصة أن الملك الصالح أيوب -مع أنه رجل عفيف وشريف- إلا أنه كان رجلاً جبارًا مستبدًّا شديد الهيبة، حتى إنه ما كان أحدٌ يستطيع أن يتكلم بحضـرته أبدًا، ولا يشفع لأحد، ولا يتكلم إلا جوابًا لسؤال، حتى إن بعض الأمراء في مجلسه يقولون: والله إننا دائمًا نقول ونحن في مجلس الملك الصالح أيوب: لن نخرج من المجلس إلا إلى السجن؛ فهو رجل مهيب، وإذا سجـن إنسانًا نسيـه، ولا يستطيع أحد أن يكلِّمه فيه، أو يذكره به، وكان له عظمة وأبهة، وخوف وذعر في نفوس الناس، سواءً الخاصة منهم والعامة، فماذا كان موقف العز.بن.عبد.السلام معه؟

    في يوم العيد خرج موكب السلطان يجوس في شوارع القاهرة، والشرطة مصطفّون على جوانب الطريق والسيوف مُصْلتة، والأمراء يقبّلون الأرض بين يدي السلطان هيبة وأبهة -وهذه كانت عادة سيئة موجودة عند الأمراء في ذلك الوقت-، وهنا وقف العز.بن.عبد.السلام وقال: يا أيوب؛ هكذا باسمـه مجردًا بلا ألقاب، فالتفت الحاكم ليرى: من الذي يخاطبه باسمه الصريح، بلا مقدمات، ولا ألقاب؟ ثم قال له العزّ: ما حُجَّتُك عند الله - عز وجل - غدًا إن قال لك: ألم أُبَوِّئْكَ ملك مصر، فأبحت الخمور؟ فقال: أويحدث هذا في مصر؟ قال: نعم، في مكان كذا، وكذا، حانة يباع فيها الخمر وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلّب في نعمة هذه المملكة؟
    فقال: يا سيدي، أنا ما فعلت هذا، إنما هو من عهد أبي. فَهَزَّ العز بن عبد السلام رأسه وقال: إذن أنت من الذين يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) [الزخرف:22]، فقال: لا، أعوذ بالله، وأصدر أمرًا بإبطالها فورًا، ومنع بيع الخمور في مصر( ).

    رجع العز.بن.عبد.السلام - رحمه الله - إلى مجلسه يعلِّم الطلاب، ويدرِّسهم، وكان يعلمهم مواقف البطولة، والشجاعة كما يعلمهم الحلال والحرام، ويعلمهم الغَيْرة على الدين مثل ما يعلمهم الأحكام؛ [light=99FF66]إذ ما قيمة أن يوجد طالب يحفظ القرآن والصحيحين والسنن، وكتب الفقه والحديث ومع ذلك هو ميت الغيرة على الإسلام، لا يغضب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يَتَمَعَّر وجْهُهُ إذا رأى المنكر، ويَتَطَلَّعُ لمنازل الصِّديقين والشهداء؟ ما قيمة هذا العلم؟[/light]

    وعندما رجع العز.بن.عبد.السلام إلى مجلس درسه جاءه أحد تلاميذه يقال له: "الباجي" يسأل: كيف الحال؟ قال: بخير والحمد لله. قال: كيف فعلت مع السلطان؟ قال: يا ولدي، رأيت السلطان وهو في أبهة وعظمة، فخشيت أن تكبر عليه نفسه فتؤذيه، فأردت أن أهينها( ).

    إذن العز.بن.عبد.السلام أعلن هذا الأمر على الناس؛ لأنه يريد أن يربي السلطان، ويقصد إنكار مُنْكَرَيْن في وقت واحد:
    المنكر الأول: الحانة التي يباع فيها الخمر.
    والمنكر الثاني: هو هذا الغرور، وهذه الأبهة، والطغيان الذي بدأ يكبر في نفس الحاكم، فأراد أن يقتلعه، ويزيله من نفسه لذا قال العز: "لئلاّ تكبر عليه نفسه فتؤذيه". فقال له تلميذه الباجي: يا سيدي، أما خِفْتَه؟ قال: "لا والله يا بني، استحضرت عظمة الله - عز وجل - وهيبته فرأيت السلطان أمامي كالقط!"( ).
    لكن ما رأيكم في طالب علم أصبح يخاف حتى من القط؟ هل يأمر أو ينهى؟ كلا بالطبع.
    لعل من أسباب قيام العز.بن.عبد.السلام - رحمه الله - باتخاذ هذه المواقف العلنيّة أن يجرَّ الأمة كلها إلى مواقف شجاعة قوية.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 10:50 am